في سن الرابعة والثلاثين، يستمر جو روت في إعادة تعريف مفهوم التألق مع تقدّم العمر. خلال مواجهة إنجلترا الثانية في مباراة ODI أمام جزر الهند الغربية في كارديف، سجّل روت 166* لم تُهزم، حيث قاد فريقه لتحقيق فوز مثير بثلاثة أهداف وحطّم رقم إيون مورغان القياسي (6957) ليصبح أكبر هدّاف لإنجلترا في مباريات الأوداي الدولية. وهذه ليست المرة الأولى التي يتصدر فيها روت قائمة الهدافين الإنجليز، فقد تصدّر سابقًا سباق النقاط في مباريات الاختبارات، ويبدو أن إرثه يستمر في الاتساع.
انطلق روت نحو الملعب في الافتتاحية نفسها، بينما كان إنجلترا يعاني عند 133/5 في ظلّ مطاردة هدف صعب قدره 309. ومع اشتداد الضغط بتسجي ثلاث ويكيت وإسقاط ثلاث كرات سهلة في البداية، تحلّى روت بهدوئه المعتاد وتولّى المبادرة. وصل سريعًا إلى مائة نقطة في 98 كرة فقط، مضيفًا ستة واربعة ليؤكد حكمه على مواجهة الضغوط. لقد باتت قدرته على التبديل بين توزيع الضربات بذكاء والانفجار نحو النهاية شبه مستحيلة على المنافسين، وظهر ذلك جليًا في شراكته التي بلغت 143 نقطة مع ويل جاكس، حيث بدا روت وكأنه يقرأ المباراة وأقدارها بلا عناء. وصفه قائده هاري بروك بـ"المذهل والذي يتحسّن مع تقدّم العمر"، وهو الوصف الذي يعبّر عن صدق تفرّده.
إحصائيًا، يؤكد أداء روت الأخير تفوّقه التقني. فمنذ ظهوره الأول في ODI، لا يتصدره في معدل الضرب من دون حدود سوى أيه بي دي فيلييرز وجوس باتلر (65.70 و63.77 على الترتيب) بينما بلغ معدل روت 59.89، مما يعكس قدرته على استغلال المساحات الصغيرة دون المجازفة الكبير. وعند مراجعة الفترة منذ 2018، سجّل روت نسبة أخطاء فنية لا تتجاوز 11.1%، وهي ثاني أدنى نسبة بين لاعبي مسابقات النخبة بعد كاين ويليامسون (11%)؛ ما يدلّ على حنكته الفريدة في اختيار وتنفيذ الضربات. ويمكنت هذه الاستمرارية الرائعة روت من فرض سيطرته خلال الفواصل الزمنية الحرجة (بين الأشواط الحادية عشرة والأربعين)، حيث بلغ متوسطه 66.6 ونسبة ضربته 87، متفوّقًا على معظم النجوم العالميين باستثناء فيرات كوهلي وأيه بي دي فيلييرز بين من تجاوزوا حاجز 2000 نقطة في هذه المرحلة.
ابتكر روت أسلوبًا مميزًا في مواجهة الكرة الدوّارة، فقد حافظ على متوسط 70.3 مقابل الضربات الدوّارة، متفوقًا بذلك على كل الزملاء الإنجليز ومنافسيه حول العالم. ولا يتفوّق عليه في هذه المهارة سوى عدد قليل مثل مايك هاسي ومايكل بيفن وإم إس دهوني وشاي هوب وباربار عزام. ومن بين هؤلاء فقط كان لدى دهوني عدد نقاط أكبر من روت مقابل الدوّارة. يتجسّد سحر روت في موجات التمرير الخفيفة والتغييرات السريعة للمعصم، مما جعله نموذجًا فريدًا للحديث عن فن مواجهة الطُرُق الدوّارة. كذلك يبرع في استغلال الكرات الموجهة إلى الخارج قليلًا، حيث يسجّل متوسط 47.7 ويحقق معدل ضرب 77 مقابلها، في حين يتراوح متوسط الضارب العادي الـ33. وعندما تنحرف الكرة إلى الأمام أكثر، يكشف روت براعة لا تكاد تُصدّق بمتوسط 94.5 ومعدل ضرب 109، ممّا يمنحه تفوقًا على رغم اعتدال إتجاه الكرة.
أعظم شهادة على تطور روت المستمر كانت في إتقانه لضربة "الريفِرس سويْب". قبل 2016، أُقصي سبع مرات وهو يحاول هذه الضربة بمعدل بلغت 7.4 فقط. لكن منذ عام 2016، ارتفع متوسط نجاحه بها إلى 158، بعدما طوّر توازنه ووقته، إذ تراجع نقطة اعتراض الكرة من 2.10 مترًا عن القِطَب إلى 1.77 مترًا. وهذه الثورة في الأداء تؤكد حرص روت الدائم على التجديد؛ فعندما يتطلّب الموقف الإبداع، يحرص جو على تحويل كل فرصة إلى فرصة أخرى للهيمنة.
وقد بدا روت متواضعًا بعد تجاوز مورغان، حيث وصف الأمر بأنه "علامة على التقدّم في العمر"، لكنه لم يفوت فرصة التذكير بأنه يراود حلم كسر رقم ساشين تندولكار البالغ 18,426 نقطة. وقال: "طالما بقي لديّ هذا الشغف والرغبة للتحسّن والمساهمة في الفوز، سأستمرّ". بالفعل، وقف متابعو الكريكيت مذهولين أمام فهمه العميق للمشهد وكيفية قراءة الضغوط، حتى عندما انهالت ويكيتات من حوله، في ظلّ محاولات جزر الهند الغربية المتنوعة بقيادة لاعبين مثل جوشوا دا سيلفا وآخرين. كما لاحظ اللاعب السابق ستيفن فين: "لم يكن لديهم أي جواب له. كان عزيمته أن يبقى حتى النهاية، فقرأ الموقف بدقة".
يُعدّ روت مثالًا حيًا على قدرة اللاعب على الاستمرار في القمة، حتى في عصر يهيمن عليه تنسيق الضربات السريعة وحبّ الـT20. مهاراته في التحركات، وحسّه في تقدير الفرص، وقدرته على تبنّي الضربات الجديدة، تجعل منه نموذجًا يُحتذى به في طول مسيرة اللاعب المحترف. وإذا راقبنا تقدمه باستمرار—حيث يضيف إلى تقنياته إمكانيات جديدة بدل أن تُقصّها السنون—فلا شكّ أنه سيسجل اسمه ليس فقط كأكبر هدّاف إنجليزي في التاريخ، بل كواحد من أبرز أساطير اللعبة.
تابعوا أخبار الرياضة على Betway Arabia للمزيد من تحديثات الكريكيت.